سورة الأنبياء - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


المعنى {قل} أيها المقترحون المتشططون {إنما أنذركم} بوحي يوحيه الله إلي وبدلالات على العبر التي نصبها الله تعالى لينظر فيها كنقصان الأرض من أطرافها وغيره ولم أبعث بآية مضطرة ولا ما تقترحون، ثم قال: {ولا يسمع} بمعنى وأنتم معرضون عما أنذر به فهو غير نافع لكم ومثل أمرهم ب {الصم}، وقرأ جمهور القراء {ولا يسمع} بالياء وإسناد الفعل إلى الصُّم وقرأ ابن عامر وحده {ولا تُسمِع} بضم التاء وكسر الميم ونصب {الصمَّ} وقرأت فرقة {ولا تُسمَع} بتاء مضمومة وفتح الميم وبناء الفعل للمعفول والفرقتان نصبت {الدعاء}، وقرأت فرقة {ولا يسمع الصم الدعاء} بإضافة {الصم} إلى {الدعاء} وهي قراءة ضعيفة وإن كانت متوجهة، ثم خاطب تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم متوعداً لهم بقوله {ولئن مستهم نفحة}، والنفحة الخطرة والمسة كما تقول نفح بيده إذا قال بها هكذا ضارباً إلى جهة، ومنه نفحة الطيب كأنه يخطر خطرات على الحاسة، ومنه نفح له من عطايا إذا أجراه منها نصيباً، ومنه نفح الفرس برجله إذا ركض، والمعنى ولئن مس هؤلاء الكفرة صدمة عذاب في دنياهم ليندمن وليقرن بظلمهم.


لما توعدهم بنفحة من عذاب الدنيا عقب ذلك بتوعد بوضع {الموازين} وإنما جمعها وهو ميزان واحد من حيث لكل أحد وزن يخصه ووحد {القسط} وهو جاء بلفظ {الموازين} مجموعاً من حيث {القسط} مصدر وصف به كما تقول قوم عدل ورضى وقرأت فرقة {القصط} بالصاد، وقوله تعالى: {ليوم القيامة} أي لحساب يوم القيامة أو لحكم يوم القيامة فهو بتقدير حذف مضاف والجمهور على أن الميزان في يوم القيامة بعمود وكفتين توزن به الأعمال ليبين المحسوس المعروف عندهم، والخفة والثقل متعلقة بأجسام ويقرنها الله تعالى يومئذ بالأعمال فإما أن تكون صحف الأعمال أو مثالات تخلق أو ما شاء الله تعالى. وقرأ نافع وحده {مثقالُ} بالرفع على أن تكون {كان} تامة، وقرأ الجمهور الناس {مثقالَ} بالنصب على معنى وأن كان الشيء أو العمل، وقرأ الجمهور {أتينا} على معنى جئنا، وقرأ ابن عباس ومجاهد وغيرهما {آتينا} على معنى {وآتينا} من المواتاة ولا يقدر تفسير آتينا بأعطينا لما تعدت بحرف جر.
قال القاضي أبو محمد: ويوهن هذه القراءة أن بدل الواو المفتوحة همزة ليس بمعروف وإنما يعرف ذلك في المضمومة والمكسورة، وفي قوله {وكفى بنا حاسبين} توعد، ثم عقب بالتمثيل بأمر موسى عليه السلام، و{الفرقان} فيما قالت فرقة التوراة وهي الضياء والذكر، وقرأ ابن كثير وحده {ضيئاء} بهمزتين قبل الألف وبعدها، وقرأ الباقون {ضياء} بهمزة واحدة بعد الألف، وقرأ ابن عباس {ضياء} بغير واو وهي قراءة عكرمة والضحاك وهذه القراءة تؤيد قول من قال المراد بذلك كله التوراة، وقالت فرقة {الفرقان} هو ما رزقه الله من نصر وظهور حجة وغير ذلك مما فرق بين أمره وأمر فرعون، والضياء التوراة والذكر بمعنى التذكرة، وقوله تعالى: {بالغيب} يحتمل ثلاث تأويلات أحدها في غيبهم وخلواتهم وحيث لا يطلع عليهم أحد وهذا أرجحها، والثاني أنهم يخشون الله تعالى على أمره تعالى غائب وإنما استدلوا بدلائل لا بمشاهدة، والثالث أنهم يخشون الله ربهم بما أعلمهم به مما غاب عنهم من أمر آخرتهم ودنياهم، والإشفاق أشد الخشية و{الساعة} القيامة، وقوله تعالى: {وهذا} إشارة إلى القرآن، و{أنزلناه} إما أن يكون بمعنى أتيناه بمعنى كما تقول أنزل السلطان فلاناً بمكان كذا إذا أثبته له، وإما أن يتعلق النزول بالملك، ثم وقفهم الله تعالى تقريراً وتوبيخاً هل يصح لهم إنكار بركته وما فيه من الدعاء إلى الله تعالى وإلى صالح العمل.


الرشد عام في هدايته إلى رفض الأصنام وفي هدايته في أمر الكوكب والشمس والقمر وغير ذلك من النبوءة فما دونها، وقال بعضهم معناه وفق للخير صغيراً وهذا كله متقارب، و{من قبل} معناه من قبل موسى وهارون، فبهذه الإضافة هو قبل كما هي نسبة نوح منه، قوله {وكنا به عالمين} مدح ل {إبراهيم} أي بأنه يستحق ما أهل له وهذا نحو قوله تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأتعام: 124] والعامل في {إذ} قوله {آتينا} و{التماثيل} الأصنام لأنها كانت على صورة الإنسان من خشب، والعكوف الملازمة للشيء وقوله {فطرهن} عبارة عنها كأنها تعقل وهذه من حيث لها طاعة وانقياد وقد وصفت من مواضع بما يوصف به من يعقل، وقوله {تالله لأكيدن} الآية، روي أنه حضرهم عيد لهم فعزم قوم منهم على إبراهيم في حضوره طمعاً منهم أن يستحسن شيئاً من أخبارهم فمشى معهم فلما كان في الطريق أثنى عزمه على التخلف عنهم فقعد وقال لهم إني سقيم فمر به جمهورهم ثم قال في خلوة من نفسه {وتالله لأكيدن أصنامكم} وسمعه قوم من ضعفتهم ممن كان يسير في آخر الناس، وقوله {بعد أن تولوا مدبرين} معناه إلى عيدهم ثم انصرف إبراهيم عليه السلام إلى بيت أصنامهم فدخله ومعه قدوم فوجد الأصنام وقفت أكبرها أول ثم الذي يليه فالذي يليه وقد جعلوا أطعمتهم في ذلك اليوم بين يدي الأصنام تبركاً لينصرفوا من ذلك العيد إلى أكله، فجعل عليه السلام يقطعها بذلك القدوم حتى أفسد أشكالها كلها حاشى الكبير فإنه تركه بحاله وعلق القدوم من يده وخرج عنها، و{جذاذاً} معناه قطعاً صغاراً، والجذ القطع. وقرأ الجمهور {جُذاذاً} بضم الجيم، وقرأ الكسائي وحده بكسرها، وقرأ ابن عباس وأبو نهيك وأبو السمال بفتحها وهي لغات والمعنى واحد، وقوله {فجعلهم} ونحوه معاملة للأصنام بحال من يعقل من حيث كانت تعبد وتنزل منزلة من يعقل، والضمير في {إليه} أظهر ما فيه أنه عائد على {إبراهيم} أي فعل هذا كله توخياً منه أن يعقب ذلك منهم رجعة إليه وإلى شرعه ويحتمل أن يعود الضمير على الكبير المتروك ولكن يضعف ذلك دخول الترجي في الكلام.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9